الصدق علامة الإيمان
يحرص الكثير من الناس على التودد إلى الآخرين، فيختارون أعذب الألفاظ ويظهرون قدراً كبيراً من الإحترام؛ فينالوا المحبة والتقدير.
وقديلجأ المرء أحياناً في سبيل كَسْبِ وُدِّ الآخرين إلى أن يحدِّثَهم بمايرغبون ويشتهون، ويتجنب ما يُسبِّب لهم الضيق والإزعاج، وهو في هذا السبيلقد يلجأ إلى المداراة حول الموضوع باختيار العبارات الغامضة أو الصمت أوالكذب. والكذب هو إخفاء الحقيقة مهما كان الأسلوب الذي اتُّبِعَ في ذلكسواءَ كان بالدوران حول الموضوع، أو التلاعب بالألفاظ، أو إلتزام الصمت أوالإدلاء بمعلومات غير مطابقة للواقع؛ إنّ هذه الأساليب كلها – وإن كانتتؤدي إلى أن يكسب صاحبها إعجاباً عند الآخرين – لن ينال فاعلها احترامهمأو تقديرهم. إنّ النفس البشرية السليمة تميل إلى الصدق، وتحبُّه، وتجعلُللصادقين منزلةً رفيعةً في مراتب التقييم الإجتماعي.
ومع أنّ غالبَالكذبِ سرعان ما ينكشف إلا أننا نجد الكثيرين يستعملونه بمقادير متفاوتةفي حياتهم اليومية، حتى صار الكذبُ ملحاً يُستعمَلُ لسائر الأحاديث. وقديستمرىءُ البعض الكذب لفساد أخلاقه وسوء نظرته إلى الحياة فيجعله قاعدةتعامله حتى يبرع فيه ويصاحب الكذابين الذين يزيِّنون له اعوجاجه كما يظهرلهم استحسانه لتشجيعهم.
لو أنصف الكذاب نفسه ونظر إلى المسألة بعينالصدق والعدل لوجد أن ما يخسرهُ جرّاء كذبه هو أضعاف أضعاف ما يعودُ عليهمن نفع. فأيُّ قيمةٍ لكسب إعجاب مجموعة من النفوس المريضة؟ وماذا تنفعهحين ينكشفُ كذبُهُ ويخسر ثقة الناس ومحبتهم وتعاونَهم؟
قد يقول القائل:ولكن ليس كل الكذابين ينكشفون، فنقول: إنّ الكذب بحدِّ ذاته رذيلةٌإجتماعيةٌ وفسادٌ خُلقيّ سواء فُضِحَ الكذابُ أم لم يفضح. وإذا كان هذاالمنحرف قد وصل إلى حدٍّ في المهارة يقدر به أن يخفي كذبه عن الناس فماذايفعل حينما يقفُ بين يدي الله عزّ وجلّ ليحاسبه أمام الخلق كلِّهم؟ لن يجدوسيلةً للهرب أو التنضّل بل إن الفضيحة أمام الخلق جميعاً أشدُّ إيلاماًوأوقعُ تأثيراً.
مع أنّ الصدق خلقٌ إجتماعي إلا أنّ له مكانة عظيمة فيالدين فالقرآن الكريم تحدث عن الصدق ومآل الصادقين وتحدث عن الكذب وعاقبةالمكذّبين وقد اعتبر الصدق من الإيمان ففي كتاب الله تبارك وتعالى قولالحق جلّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَوَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 19). فهذه الآية الكريمة المباركةتربط بين صفات ثلاث الإيمان والتقوى والصدق. فالإيمان هو المنطلق الذييبدأ الإنسان منه مسيرته في هذه الحياة على حسب ما يرضي ربه جلّ وعلاليحقق في نفسه صفة العبودية لله تعالى. فالإيمان هو الذي يحرّك في النفسمعاني الخير؛ فيندفع المؤمن بدوافع ذاتية للعمل بما يرضي ربه تعالى فينفّذما أمر ويتجنّب ما نَهَى عنه وزجر؛ فبَعدَ أن اكتسى بحُلَّةِ الإيمانوزيّنها بالعمل، بطاعة الرحمن، ومما أمر الله تعالى به أن يكون المؤمن معالصادقين.
والأمر بأن يكون المؤمن مع الصادقين يتضمّنُ نهيَيْنوفِعلَيْن فينبغي أن يتركَ الكذب ويترك الكذّابين لأنّ الكذب رذيلةٌوالصاحب الكذب يُعدي كذِبَهُ إلى صاحبه، وعليه أن يلتزم بالصدق وأن يخالطالصادقين. لاشكّ أن ترك الكذب يسهل على النفس التي عمرها الإيمان وتجعلهمّها مرضاة الديان؛ فتهجر ما يكره وتفعل ما يحب. ولكن قد يصعب على المرءأن يتخلّى عن أصحاب ورفاق يستمتع معهم وينتفع بهم ثمّ يتخلّى عنهم لا لضررظاهر أو خسارة ملحوظة ولكن ترك هؤلاء لا يلزم أن يكون الخطوة الثانية بعدأن يعاهد المرء نفسه على إلتزام الصدق بل يستمهل فترة فعله يستطيع أن يهديأصحابه إلى النور الذي هداه الله تعالى إليه فإن اهتدوا فبها ونعمت، وقدفاز "لأن يهدي الله بكَ رجلاً خيرٌ لكَ مِن أن يكونَ لك حُمرُ النِّعَم".وإن كانت الأخرى فهجرانه واجب في الدين بنص الآية الكريمة وهنا أيضاً يكونقد فاز لقول النبي (ص): "أفضلُ الأعمالِ الحبُّ في الله والبُغضُ فيالله". اللّهمّ إنا نسألك إيماناً ثابتاً ولساناً صادقاً وعملاً خالصاً،اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوقوالعصيان، واجعلنا من الراشدين واجعل ألسنتنا تنطق بالحق والصدق.